الحرب الإعلامية أم المعارك : حينما يتحول كل الشعب إلى مراسلين من أجل قهر التعتيم


[ماروك نيوز] إن ما يشهده العالم العربي اليوم من حراك، في كل هاته الدول، يختلف من حيث التصعيد والتأطير الشعبي، ومستوى و زخم التحركات، ليتفق في مجموعة من المطالب الشرعية، رغم اختلاف سقفها من بلد لآخر، خاصة في بداياتها، حيث إنطلقت كل هذه المظاهرات مطالبة بالإصلاح، ومركزة على مطالب اجتماعية كغطاء لتمرير مطالبها السياسية، باعتبارهذه الأخيرة أساس كل عملية إصلاحية تأخد الأبعاد الإجتماعية والإقتصادية بعين الإعتبار، خاصة أن هاته الشعوب فطنت إلى أن الحلول الترقيعية لم تعد مجدية، ولم ولن تحمل معها أي جديد، لينطلق الشارع في الكثير من البلدان، باحثا عن هويته الضائعة، وسط مجموعة من المطالب، والتيارات والإيديولوجيات، توحده فكرة التغيير لترسم هاته الحراكات مشهدا دراميا ممزوجا بالبطولة والتضحية، يستحق أن يقف عنده التاريخ وقفة جادة ليس احتراما لإرادة الشعوب فقط، وإنما لأخد العبر وفهم الرسائل والدروس، والقراءة بين سطور الأحداث، لأن التاريخ لايرحم المغفلين أو
 الغافلين حتى يكون التعبير أدق، وهذا ماحدث لكل من بن علي، مبارك والقذافي، باعتبار أن الأخير أصبح شبه ميت سياسيا.

إن أول هذه العبر، التي يمكن استخلاصها (وهي كثيرة)، هي دور الإعلام بكل أنواعه وأصنافه وتجلياته، في كل الثورات، سواء في تونس أو مصر أو ليبيا، من خلال تأطيره وإظهاره للحقائق، وخلقه لدوافع شعورية عند الشعوب تتبلور إلى ردود أفعال مشروعة على سياسات قائمة غير مشروعة، لتتحول المطالب إلى صراع بين الخير والشر، الشرعية واللاشرعية، القمع والحرية يتخد فيها كل من طرفي هذا الصراع صورتين، صورة الشعب المظلوم المغلوب على أمره، وصورة النظام الظالم ، لتتجسد هاتان الصورتان في المشهد الإعلامي، وتظهر على شكل نشر للمعلومة (الحقيقة)، والتعتيم والرقابة من جهة أخرى.

إذا كان كل من يملك المعلومة ، فإنه بالضرورة يصبح في مركز قوة، فاليوم أصبحت القوى متوازنة، لأن المعلومات والأخبار، لم تعد حكرا على أحد، فالأنترنت بشبكاته الإجتماعية المتنوعة، وبفضل خصائص المشاركة التي توفرها هذه الأخيرة لمستعمليها، لم تعد القنوات الرسمية العمومية بآلياتها الكلاسيكية، هي المزود الوحيد للمواطن بالمعلومة والأخبار، ولم يعد الواحد منا مضطرا إلى انتظار ساعة معينة للإستماع أومشاهدة آخر المستجدات، بل أصبحت تتقاطر إليه دون عناء عن طريق بريده الإلكتروني، تغديات الإر س س، وأيضا بواسطة خاصيات المشاركة، ماخلق نوعا من الديناميكية في الشبكة العنكبوتية جعلت مرتاديها في غنى عن ما كان موجودا كمنتوج. 

كل هذه الظروف التي ساهم فيها تطور وسائل الإعلام والإتصال،أدت إلى الدفع بالشباب إلى ابتعادهم عن الإعلام العمومي والوطني، الذي تحول في العديد من البلدان العربية، إلى بوق للنظام عوض أن يكون صدى لصوت الشعب وهمومه. هذا الإبتعاد نتجت عنه نوع من الإستقلالية في استيقاء المعلومات، والإطلاع على مجريات الأحداث وطنيا، ودوليا في كل البلدان العربية، مغيبة في أغلب الحالات الخطاب الإعلامي الرسمي المحلي، الذي فقد الكثير من ثقة المتتبعين لشؤونه، خاصة الشباب.

هذا النوع من الإعلام بدوره غيب الشباب، بطريقة غير مباشرة من خلال عدم تطويره لوسائل تواصله مع هذه الفئة، وظل حبيس نفس الوسائل النمطيه الكلاسيكية ونفس الخطاب الإيديولوجي لنشر المعلومات، والتحاق أقطابه بالفايس بوك، والتويتر وغيرها من الشبكات الإجتماعية، أتى متأخرا، مما جعله بعيدا عن مواكبة التطور والسرعة التي تعرفها المعلومة بحد ذاتها، فالكم الهائل من المعلومات والأخبار المتداولة في الشبكة العنكبوتية، ساهم في تغطية وتشتيت صوت و صرخات هذا الإعلام، بفعل المد الجارف الذي تلعب فيه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك، خاصية المشاركة كأسلوب وثقافة جديدة، الدور الكبير في نشر المعلومات بسرعة خيالية.

إذا كان الأساس في البحث عن الحقيقة والتقصي عنها، هي الإنطلاق من كون هذه الأخيره واحدة، فالإعلام الرسمي في جل الدول العربية، ظل يعتمد على كونه المصدر الوحيد لنقل المعلومة والخبر إلى مواطنيه، من أجل رسم صوره للحقيقة في أذهانهم تتشكل حيثياتها انطلاقا من رؤى معينة، ونظرة أحادية الجانب للأحداث، مايجعل الصورة التي ترسلها وسائل إعلامه تخالف في اكثر الأحيان حقيقتها، خاصة أنها تكون إقتباسا لحدث معين بعيدا عن سياقه، تجلياته وأبعاده على المستويات السياسية ، الإجتماعية، الإقتصادية وحتى المحلية والدولية.

لكن تعدد القنوات، وتطور وسائل الإتصال وتقنياته ، وكثرة المصادر والوكالات، وسرعة انتقال وانتشار المعلومة، من مكان حدوثها، قلب كل الموازين السياسية والإجتماعية وحتى الجغرافية، فالعالم أصبح بالفعل قرية معلوماتية صغيرة، تتداول فيها الأخبار بسرعة رغم الفروق والتباعدات الجغرافية. ماأعطى الإمكانية، لكل الناس بأن يصبحو مراسلين، وصحافيين انطلاقا من مساهمتهم بوسائلهم الخاصة : هواتف نقالة، كامرات.. في نقل الأحداث من موقعهم القريب منها، ونقل رواياتهم ورؤياهم لكيفية تطورها، من أجل كسر قيود التعتيم والقمع. 

هذا ماشهدناه في الثورة الليبية، فرغم غياب وسائل الإعلام الأجنبية عن الساحة الليبية، وتواجد التلفزيون الرسمي المحلي الليبي، لتغطية الأحداث بطريقة منفردة، في محاولة لنقل صورة الأحداث، على مقاس قراءات الزعيم الليبي والموالين له من أجل تغطية جرائمهم، إلا أن العالم فوجيء، رغم التعتيم والقمع وقطع الاتصالات، بأن كل الليبيين تحولو إلى مراسلين وصحافيين، نقلوا معاناتهم والحقيقة الميدانية عن طريق الإتصالات، الڤيديوهات ،والصور التي نشروها في كل مكان، ليكشفو هم بأنفسهم المسرحيات التي شاهدناها ولازلنا في التلفزيون الليبي، ولينقلب التعتيم ضد النظام الليبي نفسه، الذي كان يعتقد أنه في ظل غياب الصحافة والمراسلين، و تحكمه في الإعلام المحلي، فلا أحد يستطيع نقل الحقائق وأنها ستظل حبيسة الجغرافيا، وهذه قراءة كانت خاطئة لأن المعلومة اليوم لم تعد حكرا على أحد.....
....يتبع

ز.ش  : إعلامي
 كل الحقوق محفوظة ماروك نيوز مارس 2011

تقييم الخبر :

Enregistrer un commentaire

0 Commentaires